العائِلة ليسَت إلا رابِطاً قويّاً يَسيرُ عليهِ الإنسان ، إن كانت أُمّاً في مجال التربية و التنظيم المنزلي ، أباً يعمَلُ من أجل نفقاتِ الأسرة و يهتَمّ بأمورِ أبنائِه ، وَلداً يَسيرُ على نَهجِ أبيه و يتّخذه قُدوته في الحَياة ، فتاةً تُزهر زوايا المنزل بها و بتبعيّة ظلّها لوالدتها ، أو طِفلاً ينشّط أجواء العائِلة !
العائلة السعيدة هي التي تجعل منهجيّة حياتَها كَشَبكة كبيرة مترابِطة بين بعضها البعض ، قويّة يُسانِدُ كل خيطٍ فيها واحِداً آخر .
لكن ما نراه في بعض الأحيان هو وجودُ خللٍ في أحد أجزاء هذا النّظام العظيم ، قد يَكونُ في الأم ، حينَ يَنهَدُّ أحد الأركانِ الأسَاسيّة ، أو يكون لدى الأبِ نفسِه ؟! .. يوماً راقب أحد الناصحين إحدى أعظمِ الشّركات ، ليجد مديرها ذى شخصيّة مثالية ، أخلاٌق عالية و يتعامَلُ مع الموظفين فيها بتَسامُحٍ وعدل ، في ميدانِ العَملِ فقط ! ، فَلجأ إلى رؤية علاقته الأسرية كيفَ كانت ، دَقق على أمرٍ واحد .. وهي ترابطه الفكري و طريقة تعامُله مع أولاده ! ، ويالسوء الحظ .. هو و هم ، يعيشونَ في عالم مختلف !
الإبنُ ثمرة نتاجية عالية للأب في مَنزله ، كونُه ذُخراً إلى أبيه في المستقبل ، فيسعى الوالِدُ إلى تعليم الأخير لينخرط في مجالات العمل للحياة المهنية .. لكن هل يقف واجب الآباء في تعليم أبنائهم طريقة سير الأعمال في الحياة فقط ؟ ، فينتج عن ذلك علاقة جافة لا يسودُها إلا المَصالِحُ فقط ؟! ، إن أردتَ ولداً فيجب عليكَ أن تكونَ مسؤولاً عن انباتِ شخصيّته ، و إظهارها بصورةٍ صحيحة كذلك ! .. ليس عليكَ أن تجعله كتله جسدية تتنقل في الحياة من أجل المال فقط .
قد يكون الطفل بحاجة إلى من يتحدث إليه ، يُراعيه ، ليلجأ إليه في وقت محنته و حاجته ، بل يستمتع معه أيضاً في أيامه ، يُلاطِفه ، إن لم يوفر الأب الطاقة الروحية و المعنوية العالية في جسده ليهَبها إلى إبنه فمن سيفعل ؟ ، لهذا نرى بَعض الشّباب تتوالَد لديهم عقدة النقص فيلجئون إلى طُرق غير شرعية أخرى لسد هذا النقص الذي جعل في قلبه فراغاً كبيراً !
علاقة الأب بإبنه علاقةٌ قوية تسودها روابط متينه بحلقاتٍ فولاذية هم يقومون بصنعها ، فلا الشجارات قد تتسبب بفقدان أحدهما بل يكونا متفاهمين ! ، حتى ولو غَضِبَ الوالِدُ يوماً ، أو تمرد الشاب في لحظاتٍ طائِشة في حياته ، فالفطرة السليمة لكل منهما ترجع إلى ما كانت عليه بسرعة كبيرة .. فيهدأ الأبُ بعد شجارٍ قوي و يرجِعُ الإبن إلى صوابه بالمغفرة و التوبة فيطلب المساعدة من والديه ..
حتى ولو كان هذا جانب واحدٌ فقط من علاقتهما ، العائلة تسودها الرحمة و المودة ، فيساعد بعضهما البعض و ليس للنفور مكانٌ فيها ، الإبتسامة الطيبة و السؤال عن أحوال الشاب تجعل الأخير يعلم أن له مكاناً مهمّاً في هذه الأسرة فهو أحد أفرادِها ، أما الرد المحترم من قبل الولد لوالده يَجعله يتذكر أنه مسؤول عن تربية صالحة وتوثيق الأفكار الصحيحة في هذه العائلة ..
لم يكن هو ووالِدُه متفاهمانِ يوماً ، لطالما ظن الولد أن والده يفرّق بينه و بين اخوته الثلاثة الأكبر منه سنّاً ، كونه آخر أفراد العائلة كان بمثابة حجر يقف في طريقه ، كلما أرادَ أن يُنجز شيئاً يقف والِدُه عائِقاً له يتحبيطه معتذراً على أنه يعرف مصلحته جيّداً أكثر من أي شيء آخر ..
الإبن كان متعقّلا في هذا ولكن وجهه نظره كانت أن والِده يبالغ في صدّه عن كل شيء أرادَ الطفل عمله ، فكلما أتى بفكرة سيقوم بعملها لتعزيز هواياته أو شيء ما نبت في رأسه حتى يأتي الوالد و يحطّم كل آماله فيها ، فنشب شِجارٌ بينه و بين أبيه أدّى إلى سوء تفاهم عقيم و هروب الإبن الأصغر من المنزل !
أنواع هذه القصص و النتائِجُ المُخزية التي وصلت إليها البشرية كثيرة ! ، الأب مسؤولٌ عن ( التفاهم ) مع أولادِه ، كما أنه مسؤولٌ عن ( معرفة ماذا يريدُ ابنه ) ، ليصل إلى حلّ يرضي الطرفين ولكن كون الأب محاط بعلاماتِ استفهامٍ كثيرة في عقل ولده نتيجة إلى قلّة المعرفة الذهنية و انقطاعِ الرّابط الذي كان موجوداً منذ ولادة هذا الفرد الجديد في حياة الأبوين .. جعلهما متنافرين في كل شيءّ وكل واحد منهما لا يعرف ردّة فعل الآخر ، بل يتعامل بحذرٍ كما يتعامل مَع الغريب أو مع عَدوّه ..
أيها الأب :
_ أنتَ مسؤولٌ عن مشاورة ابنك في أموره و تفهم ماذا يريد و إلامَ يطمَح
_ أنت مسؤول عن معرفة شخصية ابنك و البقاء معه في المنزل أمر ضروري لإكتشاف عالمه و الإخراط فيه و النقاش عليه ، و التقرير ما إن كان صالحاً للمجتمع الإسلامي أم لا .
_ أنت مسؤول عن نفورِ أولادك منك بسبب الكسل و الجمول الإجتماعي في الأسرة .
[ ولَدُك ذخر أوليس كذلك ؟ ، إذن لم لا تبني شخصية حكيمة و عارفه بداخله بدل قتل روحه و تتركه هائِماً في أودِيَة الحياة ؟ ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق