بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على سيد الخلق وعلى آله وصحبه أهل الخيرات والبركات ،
وبعد ، فإن القرآن الكريم يمتلئ بآيات جعلها الله تعالى شفاءً لأدواء القلب والبدن تنفيذاً لقوله جل شأنه :" وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " [الإسراء]
ومن هذه الآيات الكريمات عرفنا سورة الفاتحة ـ الإعجاز القرآني الكبير التي ليس لها مثيل في أي كتاب من الكتب السماوية الأخرى ـ التي تحوي من الأسرار الإلهية ما عجز الناس سوى أصحاب البصيرة ممن من الله عليهم بالعلم الراسخ
والشفاء المقصود في سورة الفاتحة نوعان
الأول : شفاء البدن
الثاني : شفاء القلب
أولاً شفاء البدن ..
لا يستطيع أحد إنكار ما لسورة الفاتحة من تأثير عظيم في شفاء الأبدان إذا سترقى بها المريض من أي شيء أصابه بنية أن يشفيه الله تعالى
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فاتحة الكتاب شفاء من كل داء )) رواه البيهقي عن عبد الملك بن عمير رضي الله عنه
وعن ابي سعيد الخدري قال سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول (لكل شيء اساس واساس الكتب القران واساس القران الفاتحة واساس الفاتحه بسم الله الرحمن الرحيم فاذا اشتكيت واعتللت فعليك بالاساس تشفى باذن الله)
وأيضاً عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : " انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء فقال بعضهم نعم والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قَلَبَة (أي : مرض) قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقسموا فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له فقال وما يدريك أنها رقية ثم قال قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم " . رواه البخاري (2156) ومسلم ( 2201 ) .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرقي الناس فلا يزيد على الفاتحة فيشفى المريض بحول الله وقوته
والشرط في هذا على ما قال فقهاء المسلمين أن يكون المريض متيقناً ان الشفاء من عند الله وليس في سورة الفاتحة ولكن الله تعالى جعلها لعظمتها سبيلاً من سبل الشفاء
ثانياً : شفاء القلب
إن أمراض القلب تقوم بشكل عام على اساسين اثنن
فساد العلم ، وفساد القصد
فأما فساد العلم فينتج عنه الضلال ، فالإنسان إذا فسد علمه فلم يعرف وجود الله أو عرف وجوده وجهل طريقة عبادته فهو يضل عن الصراط المستقيم
لذا كان في قوله تعالى :" اهدنا الصراط المستقيم " شفاء من فساد العلم وثمرته بطلب الهداية من الله تبارك وتعالى
وأما فساد القصد فيؤدي إلى الغضب ..
وفساد القصد في ذاته يتعلق بالغايات والوسائل ، فالقصد قد يكون غاية يقصدها الإنسان أو وسيلة يقصد بها هذه الغاية
فإذا فسدت غاية الإنسان فسد ما يوصل إليها من وسائل وإذا فسدت الوسيلة فسدت الغاية وإن كانت صالحة
وكل ما يقصده الإنسان في غير طاعة الله وعبادته هو مطلب فاسد وكل وسيلة غليه تقرب صاحبها من نار جهنم وبئس المصير
ولا يملك الإنسان بعد ذلك إلا أن يغضب من نفسه ومن دنياه ومن فيها
لذا كان في قوله تعالى :" إياك نعبد وإياك نستعين " شفاءً من فساد القصد إذا لا غاية أسمى من عبادة الله
وبالاستعانة بالله نصل إلى الوسيلة الصحيحة لعبادته
ويتكون دوء إياك نعبد وإياك نستعين من :
1- عبودية الله وحده
2- بشرعه وأمره
3- لا بالهوى
4- ولا بآراء الرجال وأوضاعهم وأفكارهم ورسومهم
5- بالاستعانة بالله على عبوديته
6- وليس بنفس العبد ولا بحوله وقوته ولا بغير ذلك
فإذا أحسن الإنسان منا تركيب هذا الدواء واستخدامه شفي بإذن الله من فساد القصد والعلم
وأي نقص في الشفاء ما هو إلا خلل في تركيب أجزاء الدواء
واما بعد التخلص من فساد العلم وفساد القصد ، فإنه يعرض للإنسان آفتان كبيرتان تقضيان على القلوب وتذهبان صالح أعمالها
الرياء
والكبر
الرياء وعلاجه "إياك نعبد" لأن عبادة الله تقتضي إخلاص العمل لله تعالى دون النظر لرأي الناس أو الاهتمام بتحصيل شكر أحد أو تبجيله لأجل عمل قام به المرء طاعة لله
والكبر علاجه :" إياك نستعين" فاستعانة العبد بالله تقتضي منه أن يوقن بأنه ليس له قدرة على فعل شيء إلا بأمر الله ولم يصل إلى مكانة ما إلا بإرادة الله فيخضع العبد لذلك ويتواضع قلبه
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه : " إياك نعبد تدفع الرياء ، وإياك نستعين تدفع الكبرياء "
وقال الإمام ابن القيم :" فإذا عوفي الإنسان من الرياء والكبر والضلال والغضب فإنه عوفي من جميع أمراضه وأسقامه وخرج من دائرة المغضوب عليهم والضالين " [بتصرف]
أما المغضوب عليهم فهم اليهود ، أهل فساد القصد ، الذين عرفوا الحق فحادوا عنه وطلبوا غيره
وأما الضالون فهم النصارى ، أهل فساد العلم ، الذين جهلوا الحق فلم يجدوا إليه سبيلاً
هدانا الله وإياكم إلى ما فيه كل خير ونزع من صدورنا الأسقام بأنواعها إنه ولي ذلك وهو القادر عليه
والحمد لله أولاً وآخراً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق