فدل هذان الحديثان على أنه ما من موضع في السماوات السبع، إلا وهو مشغول بالملائكة، وهم في صنوف من العبادة.
منهم: من هو قائم أبدًا.
ومنهم: من هو راكع أبدًا.
ومنهم: من هو ساجد أبدًا.
ومنهم: من هو في صنوف أخر، والله أعلم بها.
وهم دائمون في عبادتهم، وتسبيحهم، وأذكارهم وأعمالهم التي أمرهم الله بها،
ولهم منازل عند ربهم، كما قال تعالى: { وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ } [الصافات: 164-166] .
وكذلك يأتون يوم القيامة، بين يدي الرب، جلَّ جلاله، صفوفًا كما قال تعالى: { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا }[الفجر: 22] .
ويقفون صفوفًا بين يدي ربهم، عز وجل، يوم القيامة، كما قال تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [النبأ: 38] .
« أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ». رواه أبو داود، وابن أبي حاتم . صحيح الجامع (854)
"
و من الملائكة التي أعلمنا بأسمائها، جبريل عليه السلام، ملك عظيم من ملائكة الله عز وجل مهمته نقل الوحي إلى الرسل
"وقد ورد في صفة جبريل عليه السلام أمر عظيم، قال الله تعالى: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }.
قالوا: كان من شدة قوته، أنه رفع مدائن قوم لوط، وكن سبعًا بمن فيها من الأمم، وكانوا قريبًا من أربعمائة ألف، وما معهم من الدواب، والحيوانات، وما لتلك المدن من الأراضي، والمعتملات، والعمارات، وغير ذلك.
رفع ذلك كله على طرف جناحه، حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب، وصياح ديكتهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، فهذا هو شديد القوى.
وقوله: { ذُو مِرَّةٍ } أي: خلق حسن، وبهاء، وسناء.
كما قال في الآية الأخرى: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } [التكوير: 19] ، أي: جبريل رسول من الله كريم، أي: حسن المنظر.
{ ذِي قُوَّةٍ } أي: له قوة وبأس شديد.
{ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } أي: له مكانه، ومنزلة عالية رفيعة، عند الله.
{ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ } [البروج: 19] ، { مُطَاعٍ ثَمَّ } أي: مطاع في الملأ الأعلى.
ومن صفة إسرافيل عليه السلام - وهو أحد حملة العرش - وهو الذي ينفخ في الصور بأمر ربه نفخات ثلاثة:
أولاهن: نفخة الفزع.
والثانية: نفخة الصعق.
والثالثة: نفخة البعث. .
والصور: قرن ينفخ فيه. كل دارة منه كما بين السماء والأرض. وفيه موضع أرواح العباد حين يأمره الله بالنفخ للبعث، فإذا نفخ تخرج الأرواح تتوهج.
قالوا: كيف نقول يا رسول الله؟
"
فهؤلاء الملائكة المصرح بذكرهم في القرآن، وفي الصحاح، هم المذكورون في الدعاء النبوي: اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل.
فجبريل: ينزل بالهدى على الرسل لتبليغ الأمم.
وميكائيل: موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما الأرزاق في هذه الدار، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه، يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب جل جلاله.
وقد روينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض.
وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور، للقيام من القبور، والحضور يوم البعث والنشور، ليفوز الشكور، ويجازى الكفور، فذاك ذنبه مغفور، وسعيه مشكور، وهذا قد صار عمله كالهباء المنثور، وهو يدعو بالويل والثبور.
فجبريل عليه السلام يحصل بما ينزل به الهدى.
وميكائيل يحصل بما هو موكل به الرزق.
وإسرافيل يحصل بما هو موكل به النصر والجزاء.
وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن، ولا في الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل، والله أعلم.
وقد قال الله تعالى: { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [السجدة: 11] .
وله أعوان يستخرجون روح العبد من جثته، حتى تبلغ الحلقوم، فيتناولها ملك الموت بيده، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها منه، فيلقوها في أكفان تليق بها، كما قد بسط عند قوله: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }[إبراهيم: 27] .
ثم يصعدون بها، فإن كانت صالحة فتحت لها أبواب السماء، وإلا غلقت دونها، وألقى بها إلى الأرض، قال الله تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }[الأنعام: 61-62] .
وعن ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد أنهم قالوا: إن الأرض بين يدي ملك الموت، مثل الطست يتناول منها حيث يشاء.
"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق