بِسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمدُ لله وٓالصّلاةُ والسّلامُ على مِنْ لا نبيّ بعده ؛
اللَّهُمَّ اهدنا لأحسنِ الأٓخلاقِ لا يهدي لأَحسنِها إلا أنْت
واصرفْ عنا سيئَها لا يصرِفُ عنا سيئَها إلا أنْت
في هذه الحَياة لا بُدّ فيها من التعامُلِ مع الآخرين
وتعامُل كل فردٍ مع الآخر يختلِف باختلافِ أخلاقِهم
فالمُوظّفُ العادي حسنُ الخُلقِ لن يتكبرَ في تعامله مَعَ العامل
وَلنْ يُنافِقَ في تعامله أمامَ المديرِ ليكْسَبَ رِضاه ، فهوِ يتواضعُ أمامَ الأول
ويحترمُ الآخرَ مٌنطلقاً من مبدأ حُسن الخُلقِ مع الجميعِ وتطبيقا لسُنّةِ رسول الله
فعليهِ الصّلاةُ وَالسّلام يقول : " إِنّما بُعِثْتُ لِأُتَمِمَ مَكارِمَ الأَخْلاقِ "
فديدننا الحَنيفُ ليسَ صلاةً وقياما وزكاة ً وَصوْماً وتعبُداً وَمُناجاةً
فأين كُلُّ ذلك حينَ تكونُ سيءَ الخُلقِ والطباعِ !!
فرسولُنا الكَريمُ يقولُ : " إنّ الرّجلَ ليبلغ ُ بِحُسنِ خُلقهِ درَجَةَ قائِمِ اللّيْلِ وَصائِمِ النّهارِ "
فقليلُ العباداتِ مع حُسنِ الخُلقِ خيرٌ من كثير ِ العباداتِ مع سوءِ الخُلقِ
وها هِيَ أمُّ سَلمةٓ رضيُ الله عنها تَسألُ رسولَ الله وقد تذَكرتْ الآخِرَة :
"يا رَسولَ الله ، المرْأَةُ يكونُ لها زَوْجانِ في الدّنيا فإِذا ماتَتْ وَماتا دَخَلوا جَميعاً في الجَنّة ، فلمن تَكون ؟!
فقال : " تَكونُ لِأَحْسنِهما خُلقاً "
فلما تَعَجبّت وَرأى دَهشتَها ، قال : " يا أُمّ سلَمَة ، ذهبَ حسنُ الخُلقِ بِخيري الدّنيا وَ الآخِرَة "
ولم يقل لأكَثرهما صَلاةً أَوْ صياما ، أَوْ لِأكثرِهما عِبادةً وقياما ، إنما تكونُ لمنْ هُوَ أفضلُ أخْلاقاً بينهما
وَسُئِلَ عَلَيْهِ الصّلاةُ والسّلام عن أَكْثرِ ما يُدْخِلُ الجنّةْ ، فقال : " تَقوى الله ، وَحُسن الخُلقِ "
وقالَ عليه الصّلاةُ والسلام : " أَكملُ المُؤمنينَ إيماناً أَحاسِنُهمْ أَخلاقاً ... "
وقالَ أيضاً : " إنّ من أحبّكُم إلي ، وَأَقربَكُم منّي مَجْلِساً يوم القِيامة ، أَحاسِنُكم أَخلاقاً "
فَحُسن الخُلقِ له من الأَجرِ الكثيرُ الكثير ، وَصاحِبهُ لم يَفُز بالآخرةِ وصُحبةِ النبيّ فحسب ؛
إنّما فازَ قلوبَ النَّاسِ وَمحبّتَهُم في الدّنيا ، فسيّءُ الخُلقِ يذّمهُ النَّاسِ ، وهذا يَأْخذُ من حَسناتِهِ وَذَاك
حتى يَأْتي يومَ القيَامةِ وَحسناتُه صِفْر ، ولمْ يَنفعْهُ كَثيرُ صلاةٍ أَوْ قِيام !
تقولُ عائِشَةُ عَنِ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّم : " كانَ خُلقهُ القُرْآن "
وحينَ تحدّثَ الربُّ عزّ وجل عنه في القُرْآن لَمْ يَصفهُ بكثرَةِ عباداته إنّما بحُسنِ خُلقه ،
فقد قال تَعالى :" و َإِنّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظّيمٍ "
كانَ المُربّي الأول والمُعلّمُ الأمثل عَلَيْهِ الصّلاةُ وَالسّلام حَسنَ الخُلقِ مع الجميعِ
صِغاراً كِباراً ، نِساءً رِجالاً ، أِغنياءَ وَفُقراء ، عربيٌ أَوْ أَعجمي ، أبيضَ وَأسود
عن عائشةَ رضيَ الله عنها قالَت : إنّ اليهودَ مروا ببيتِ النّبيّ فقالوا : السامُ عليكُم ،
أي ( الموتُ عليكُم )، فقال عليه الصّلاةُ وَالسّلام : " وعليكم " ، فلمْ تصبر أُمّ المُؤمنين لما سمِعَتهُم
فقالت : السامُ عليكم ، ولعنكم الله وَعضِب عليكم
فقال النبي : " مهلا يا عائشة ، عليكِ بالرّفقِ ، وَإياكِ وَالعُنف والفحش "
فقالت : أولا تَسمعُ ما قالوا ؟!
فقال : " أو لَمْ تسمعي ما قُلت ؟! رددتُ فَيُستجابُ لي ، ولا يُستجاب لهب فيّ "
وكانَ لأنس بن مالك أَخٌ صغير ، وَكَانَ عَلَيْهِ الصّلاةُ والسّلامُ يُمازحه ، ويُكنيهِ بأبي عُمير
وَكَانَ له طيرٌ صغيرٌ يلعبُ به ، فمات الطّيرُ ،، فكانَ النبي يُمازحه إذا لقيه ُ ويقول :
" يا أبا عُمير ، ما فعلَ النغير ؟! "
ويُلاعَبُ بنت أُمّ سلمة ، زينَب ، ويقول :" يا زوينب ! "
فرسول الله صَلَّى لَهُ عليه وسلّمَ يقول : " ما كانَ الرّفقُ في شيْءٍ إلّا زانَه ، وما نزعَ من شيْءٍ إلّا شانَه "
فما أجملَ الرّفقَ ، ويزدادُ جَماله حينَ ترى ذلكَ الخُلقَ جليّاً حتى مع الأَعداءِ
ولا تبْخلُ فيه مع الصّغارِ والأطفالِ ، فديدننا دينُ سلامٍ ورحمةٍ
" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعَالَمينَ "
فكونهُ قائِدَ أمةٍ وَصاحِبَ رِسالة ، لم يمنعهُ أن يكونَ رحيما بمن حوله ، يَرْفقُ بهم ، وحتى يُمازِحُهم !
إِذْ أَقبلَت إليهِ مرة إمرأَة تَشتكي زَوْجها ، فقالَ لها النّبيّ : " زوجكَ الذي في عَينيهِ بيَاض ؟! "
ففزِعت المَرأَة ، وتوجّهت لزوْجها ، ظَنّاً منها أنه عمي بَصره ، وجَعلت تَنظُر في عينيْهُ ، فَسألها عن خبرِها
فأَجابتهُ، فقالَ لها : يا امرأة ، أَمَّا أَخبركِ أنّ بَياضَها أكثرُ من سوادِها ، أي أنّ كل أحدٍ في عينيهِ بياضٌ وَسوادٌ
وحتى في مُزاحهِ عليه الصّلاةُ وَالسّلام كانَ لا يقولُ إلا حقاً ، كيفَ لا ، وهوُ الصّادقُ الأمين !
وَعن جرير بن عبد الله البجلي ، قال : مَا رآنِي رَسُولُ الله إلّا تبَسّم !
كانَ دائِمَ التّبسمِ ، وَأعْباءُ الأمةِ وَهمومها كُلها على كَتفيْه !
حتى مَعَ الحَيواناتِ والنّباتِ كانَ رَحيماً ، فَذاتَ يومٍ رَأى عَلَيْهِ الصّلاةُ وَالسلامُ قريةَ نملٍ قَدْ أُحرِقَتْ
فقال : " مِنْ أحرقَ هَذِهِ ؟! " ، فأجابَ بعضُ أصحابه : أنا ، فغضِب !
وَقال ؛ " لا يَنْبغي أن يُعذبَ بالنّارِ إلا ربّ النار "
وَكَانَ الرسول حينَ يقومُ الجُمعةَ ويخطِبُ بها ، يسندُ ظهرهُ إلى جذع ، فلما عملوا لَهُ مِنبراً ،
وَكَانَ يوم الجُمعة ً ، صعدَ على مِنبرهِ الجديد وقعد عليه
خارَ الجِذعُ ، وَصاحتْ النّخلة ، وارتجّ المسجد ، جذعٌ يبكي !!
فنزل النّبيّ ، وضمّ الجذعَ إليه ، حتى استقرّت النّخلة بعد أن كانت تَئِنّ أنينَ الصّبي الصّغير .
فسبحانَ الله العَظيم ، والحمدُ لله الذي أرْسلهُ رحمةً للعالَمين
حينَ دخلَ مكة مُنتصِراً بإذن الله وفضله، وقالَ لأهلِ مكةَ جُملته المَشهورة
" اذهبوا فَأنتمُ الطّلقاء " !! ، أيهم يملكُ هذا القلبَ الرّحيم من البشرٍِ سِواه ؟!
وفي الطّائفِ حينَ دعا لهم أَن يُخرِج اللهُ سبحانه من أَصلابِهم من يَعبُده
ولم يَدعُ عليهم ، وجبريل وَملكُ الجِبال ينتظِر أمرهُ لِعقابِهم،
إنّا لَنحتاجِ إلى سنينَ وَسنينَ من التّأمُلِّ في سيرةِ النّبيّ العَدْنان
فسُبحانَ الذي أرسلَه ، والحَمدُ لله أننا من أُمتّه ، ونسْأَلُ المولى أن نُحشر يومَ القِيامةِ معه .
وفي الختام جزيل الشكر للاخت ρяιη¢єѕѕ ѕмѕм على التصاميم
أستودع كم الله الذي لا تضيع ودائعه
لا تسوا إخوانكم في غزة وسوريا والمستضعفين في كل مكان من صالح دعائكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق