الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

الفراسة في الإسلام *



attachment

عرّفها المعجم الوسيط بأن ( الفِراسَةُ ) : المهارة في تعرّف بواطن الأمور من ظواهرها .

ويُقال تفرّس في الشيء أي نظر وتثبت , ونقول فراستي في فلان الصلاح . أو تفرّس فيه الخير , أو توسمه منه وظنه فيه .

فهي الاستدلال بما ظَهر على ماخَفِي , أو بالخَلقِ على الخُلُقْ .

قال الراغب
"هي الاستدالا بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضضائله ورذائله" ؛ فالمعنى واحد والعبارات متعددة .

وأصل الكلمة مأخوذ من افترس , فكما تفترس البهيمة ضحيتها وتثب عليها , فإن الحكم والخاطر يهجُم ويفترس القلب فيكاد يثبت فيه الأمر.

وكما افتراس المسافات ركضًا يكون اختلاس المعارف .


وتتّصل الفَراسَة أكثَر بالعيْن فهِي المِرآة العَاكِسَة للقلْب , فتُعَنْوِنُ مافِيه .

فاعتدال واستواء الصُورة مِن اعتِدال الروح والمزاج وهي المتعلقة باستواء الأخلاق وسلامتها.


وفي الفِراسة وجهان :
(-) فِراسة تكون عن خاطر بدون سبب , ويكون من الإلهام والإيحاء وهومايُسمّى المتفرس في ذلك محدث

قال صلى الله عليه وسلم :
"إن يك في هذه الأمة محدث فهو عمر" . وهذه هبة ربانية لاتحصل بالتعلم إنما بالطاعة ليكون الموهوب وَلِي .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" قال الله تعالى "إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب

وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته علي , وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه

فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها

وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه" .



(-)
أما الوجه الثاني فيكون عن خبرة وتعلم كما الصنعة التي تبغي متمكنا , فهي تأتي بمعرفة الأشكال والألوان ومافيها

ومعرفة الأمزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية ؛ وكلما تثقف المرء فيها كلما كان أقوى على الفِراسة.


وهذا التقسيم مُعتمَد لدى ابن الأثير .


attachment



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ثم قرأ : [إن في ذلك لآيات للمتوسمين]

وقوله تعالى :
[ تعرفهم بسيماهم] , [فلتعرفهم بسيماهم ولتعرفهم في لحن القول]

وكان ابن الزبير يقول:
لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه.

أم إن نظرنا بالمنطق فالإنسان اجتماعي بطبعه , يُخالط لاناس في كُل شؤون عمله وعطاءِه وكسبِه ومتعته

وهذه الخِصلة تنفع الؤمن في معرفة طِباع الناس في شرهم وخيرهم فيكون أقدراً على اتقاء شرهم .


والفراسة ثلاثة أنواع :
(1) فراسة خَلْقِيَة: وهي معرفة واصطياد أخلاق الناس من خِلقَتِهم ومظهرهم وهذه مُعترف بجوازها

فتكون بالنظر والتأمل في بعض خِلقَة الآخر , والتركيز بالعين مثلا والأنف أو الشفتين فييستنبط منها الذكاء ونسبة الفطنة والدهاء وغير ذلك .

أو كون العين ناعسة أو حادة , سريعة الطرف أو كثيرة الارتعاش فيحدد بها نسبة الحفظ والضبط أو الحِلم أو المكر وغيره .


(2)
فراسة ريَاضية:
ولايُقصد بها الرياضة البدنية , وإنما الرياضة النفسية , وتكون بالتجرد من المُلهيات صنائع الدنيا والتفرغ بالتأمل والفِكر

وقال البعض إنها تدريب من مستوى يرجع للارتباط بين التشابهات الأخلاقية والتي يوافقها التشابه الخَلقِي

بل قِيل يشترك بها حتى غير المُسلم فهي تعتمد على قوة الحِفظ والتذكر في الربط والتشابه . وكذلك منها صنعة الطبيب وبراعة المُحامي .



(3) ف
راسة إيمانية:
نورانية يقذفها الله في نفس المؤمن ليُفرق بين الحق والباطل , بين الصادق والكاذب .

وهي ماذُكر في ضربه أنه تفرس بدون سبب . إلهامي وحيي .

قال ابن القيم
"كان أبو بكر الصديق أعظم الأمة فِراسة"

فهي بحسب إيمان العبد فكلما اشتد إيمانه وقوِي كان أشد فراسة وأحدّ .

فلا يكاد ظنه يُخطئ ؛ قال الله تعالى :
[أوَمَن كان ميتُا فأحيَيْناهُ وجعلْنا له نُورًا يمشي به في الناس كمن مَثلُهُ في الظُلُماتِ ليسَ بخَارجٍ منها]





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق