الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

بين استحقار واغترار . [خطيئة أيقظت من سبات !]

*


حكم الله وقضى وهو أحكم الحاكمين , فجعل من طباع البشر هو الوقوع في الخطأ والزلل , وإصابتهم للنسيان مما يستدعي العلل ’,

ومهما وُجد فيه من علم ومهما سعى للاستقامة فإنه لابد أن يكون لكل فرد عيبه ونقاط ضعفه
[وخُلق الإنسان ضعيفا]


ويختلف الناس في نسبة الخطأ بين مُكثِر ومُقلّ . بين ماضٍ وكافٍ , بين حيّ نادم وبين مُصرّ طاغٍ .

قد يقول متسائِلٌ تفكر في نفسه مستنكرًا أو متعجبًا :
لماذا جعل الله أسبابا للذنب ؟ لما لم يُزل الله كُلما يقود للذنب !

أوليْس الله يأمرنا بعدم العصيان وتجنب الذنوب !

لما جعل الله الوسوسة !

وأخفى الجن عن عيون البشر !




نقول لقد خلق الله هذا الصنف بالفعل , صنف عظيم مهمته طاعة الله والعبادة ليل نهار , صنف معصوم من الخطأ إذ خُلق من نور .


نعم إنهم الملائكة ليْس فيهم إلا الخير
[لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون]


لكن حال البشر مختلف فقال الله فيهم :
[وهديناه النجدين]

والجواب أن بكل بساطة هذا اختبار يُريد الله أن يبتلي بني آدم ليعلم أيهم أحسن إيمانًا وأحسن عقلاً وعملاً ...
[ليبلوكم أيكم أحسن عملا]

ولو تأمل العبد لوجد أن الله ترك للإنسان أن ينفد بذنبه دون أن يحول الله بين ذلك لحِكم عظيمة.


حِكمٌ توقظ النفس بعد سباتها , وتعيد للمرء طاعة ربه بعد خبوتها , فتحول بين الخطأ واستمراريته .


نذكر منها :


attachment


|[ إستعانة العبد بإلـ ٰهه :


فإذا وجد الواحد فينا أنه أذنب رغم علمه , رغم حذره , رغم حفظه لآيات النهي وأحاديث التنبيه ...

فأنكر في ذاته كيف سمح لنفسه بالوقوع بالذنب !

سيتذكر أنه بحاجة لحفظ الله وعصمته دومًا . فللنفس شرور .


تذكرة * كان من دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم (يا حيُّ يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)


كُفّ نفسك عن الشماتة بأهل الذنوب , إياك ياابن آدم إياك ! ولتتذكر أن استقامتك هي من عطاء ربك

فوجب عليك الشكر , والحفاظ على هذه النعمة وعدم الاستهزاء والترفع بها عن الآخرين .


واجعل لوجهك مقلتين كلاهمـا ~ من خشيـة الرحمن باكيتـانِ

لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهـم
~ فالقلب بيـن أصابع الرحمـن


attachment


|[ طرد الإعجاب بالذات :


ذو القلب الحيّ يستحقر ذاته إن رأى منها ذنبًا , يندم , فتشحب صورته أمام نفسه .

إنه مُدرك أنه ليْس معصوم , أنه لم يكن مثاليًا في كل شيء .

زلّ . نسَى . وقَع ضحية غيرتِه . ظهر صدى حقده وتمكن الغضب منه وضعُف .


هل رأيتم كيف الشعور بالأسى والندم .

نعم هذه الحقيقة فإن العلم الذي يدعوك للاستقامة والثبات على الخصال الحميدة كله من فضل الله وحده .



تذكرتين *
أوّلها إقرار فقال صلى الله عليه وسلم : ( لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبرُ منه العُجْب )
ثانيها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو دومًا (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)

فقيل له في ذلك ، فقال:
( إنه ليس آدميٌ إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمَن شاء أقام ومَن شاء أزاغ ) .


فمالهداية إلا من رحَمات الله جل جلاله.


attachment


|[ إبصار حلم الله في الصبر والستر :


ذُكر أنه كان في الأمم السابقة مايُذنب أحدهم ذنبًا إلا أدركته العقوبة عاجلة

فالحمد لله أن أمهلنا , ستر علينا ينتظر سبحانه سجدة في غسق الدجى , دمعة ندم , وإقرار بالذنب وإعلان بالتوبة .


إذا أُخبرت عن رجل بريءٍ ~ من الآفات ظاهرُهُ صحيحُ

فسلهُم عنه هل هو آدميٌّ !
~ فإن قالوا نعمْ فالقول ريحُ ...


ولكنْ بعضُنا أهلُ استتارٍ
~ وعند اللهِ أجمعُنا جريحُ

ومِن إنعام خالقِنا علينا
~ بأنَّ ذنوبنا ليست تفوحُ
فلو فاحت لأصبحنا هروباً ~ فُرادى بالفلا ما نستريحُ

وضاق بكلِّ منتحلٍ صلاحاً
~ لنَتْنِ ذنوبه البلد الفسيحُ


فالحمد لله على ماسَتر والحمد لله على ماغفر .


attachment


|[ نسيان الحسنات :


غريبٌ هذا العنوان , مهما حاولت تأويله لأعِيهِ لم أفلح .

كيف تُنسى الحسنَات !

نعم كُتب على بني آدم النسيان ومن خيرات ذلك أن ينسى العبد طاعاته وحسناته.


أما لو بقينا نذكر جميل أفعالنا وأقوالنا ! بالله كيف سيكون حالنا ؟!

سيظن فيهم من أعطى وأوفى فيعتقد بالكفاية !

سيميل الواحد منا للرضا على نفسه فلا يكون له دافعًا للتوخي والحصد !

سيمن المنان متعجرفًا , ويحكي المُحسن فرحًا

وهلم جرا ...


لكن من رحمة الله أن العبد يُذنب فينشغل بذنبه , أرقٌ يحتاج ليله فلا يطيب له المضجع حتى يستغفر ويعمل صالحًا.

فذلك الذنب لا يزال أمام ناظره , موجعٌ لقلبٍ ينبض بالإيمان والتقوى.


اقتباس * قال بعض السلف: "إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا كيف؟

قال: يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه إذا ذكرها ندم واستقال، وتضرع إلى الله وانكسر وذلَّ لربه، وزال عنه عُجْبُه وكبرُه، فيدخل بها الجنة ,

ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه، يراها ويمنُّ بها ويعتدُّ ويتكبر حتى يدخل النار"


attachment


|[ التوبة :


من الناس من إذا أذنب أنكر واستكبر وجعل لنفسه عذراً وعذر. فيهلك

ولكن هناك من يبوء بذنبه فيستغفر , يريد التوبة وهذا من توفيق الله جل وعلا

فالتوبة تجر محبة الله وشكره ورضاه سبحانه ,
[ إن الله يحب التوابين ]

فيفرح تبارك بتوبة عبده وإلا لمَا جعل فينا الخطأ وهدى المسلمين وأمرهم سبحانه بالاستغفار وطلب الصفح والعفو ليلا نهارا , سِرا وجهارا ...


attachment


|[ الشوق للذة الطاعة :


للبعد عن الله ألم لا يُدركه إلا من كان ذو طاعة مُقرَّب , فأذنب , فاختلجه شعور كالجدار الحاجز

إنه يخطو للوراء فلا يقربه الله إليه.

لكن ستدركه رحمة الله إذا شاء سبحانه فيعود وكله شوق للإقبال بقلبه من جديد , يستغفر ويدعو الله مطالبًا أن يُعيده فيغشاه بلطفه سبحانه وطُمأنينتِه .


إنه كالذي سافر إلى موطن غريب موحش , فأي لذة هي حين يرجع لموطنه وذاك الأمان والانتماء يعود إليه !

إنه كالذي عهد ارتواء الزلال من الماء من عين تُكنّى بطاعة الله . فتنقطع , هل هي قد نضُبت ؟ لا فرحمة الله أوسع .

فعد وتقرب إلى الله شبرا ليتقرب الله لك ذراعًا , فتعود وتغتال ذلك الظمأ الذي سلبك القرار.


همسة * إن الشوق هنا علامة صلاحٍ . والمُضي بالذنب دون مراجعة إشارة تخبط وغفلة .


attachment


|[ العفو والمعذرة :


حين نشهد خطأنا , ونرى كيْف تمكنت الظروف منا في أجواء ضعفنا تارة وجهلنا تارة أخرى .

ونتحسس رائحة الندم والألم في النفس خافية , ونجد أن هناك وقت يضيع في تفكرنا في ذنبنا

فسنجد المعذرة للآخرين إن أخطؤوا وزلوا أو تمكن منهم الغضب في يومٍ ما , سنرحمهم ونعود لندرس ردود أفعالنا

فلا يعني بالضرورة فسادهم أو وضعهم على قائمة المغضوب عليهم !

فهم بشر مثلُنا

لا ينبغي أن نحتقرهم ونحن قد نتعرض لما تعرضوا له بكل بساطة .
"عامل الناس كما تحب أن يعاملوك به"

أو عاملهم كما تطلب من الله أن يعاملك . إذ أنك تعصي وتستغفر ...


قال تعالى : [ألا تحبون أن يغفر الله لكم] نزلت في الصحابي الكريم الجليل أبو بكر الصديق

بعد أن أقسم ألا يُنفق على مِسْطَح بن أُثَاثَة رضي الله عنه بعد أن خاض في ابنته عائشة في حادثة الإفك رضي الله عنها وأرضاها

وبعد تلك الآية أقرّ أبو بكر رضي الله عنه قائلاً : والله إني أحب أن يغفر الله لي , فكفّر عن قسمه وعاد في نفقته وكرمه
"والله لا أنزعها منه أبدًا" .


سبحان الله ما أعظمه من ذنب , وما أعظمه من عفو وصفح .


فكانت هذه آية وعبرة , نقتدي بهم فيها وندرك موضع الحكمة هنا

فإن الجزاء من جنس العمل.


ومنه أن لا منة ولاتفضل لأحد على أحد , فالذي يُحسن قد يكون أخطأ وقصّر فوجب الإمساك والإعراض عن ذكر عيوب الناس .

فكما لهم عيب فلنا عيب , وكما بدَر منهم تقصير فنحن سبق وأن قصّرنا.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق